واجبنا تجاه الإساءة للرسول ﷺ
إن من أعظم الحقوق التي تجب على المسلمين تجاه نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يوقروه ويحبوه ويدافعوا عنه بكل وسيلة مشروعة، فالإساءة إلى رسول الله ﷺ ليست مجرد تعدٍ لفظي أو ثقافي عابر، بل هي اعتداء سافر على رمز العقيدة الإسلامية، وعلى حامل الرسالة الخاتمة، الذي بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين. ومع تكرار مظاهر الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المجتمعات الغربية، تتجدد مسؤوليات الأمة الإسلامية أفراداً ومؤسسات، شعوباً وحكومات، للتصدي لهذه الظاهرة والتعامل معها بما يليق بمكانة الرسول الكريم، وبما ينسجم مع تعاليم الإسلام ومنهجيته في الدفاع عن المقدسات.
أولاً: مكانة النبي ﷺ في العقيدة الإسلامية
النبي محمد ﷺ ليس مجرد شخصية تاريخية عظيمة أو زعيم روحي كما يصوره البعض، بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ومبعوث الله إلى الناس كافة، والإيمان به ركن من أركان العقيدة الإسلامية. قال الله تعالى:
“مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” [الأحزاب: 40].
وقد أمر الله تعالى بطاعته، وقرن اسمه باسمه فقال:
“مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ” [النساء: 80].
وحذر من إيذائه فقال:
“إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” [الأحزاب: 57].
من هنا يتبين أن الإساءة إليه ﷺ تمثل اعتداءً على مقدس من مقدسات الدين، لا يقبل الله من أحدٍ إهانته أو التهاون في شأنه، وأن الدفاع عنه هو واجب ديني مقدس.
ثانياً: صور الإساءة للنبي ﷺ
تتخذ الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم عدة صور، من بينها:
-
الرسوم المسيئة التي تُنشر في الصحف والمجلات.
-
الأفلام والمسرحيات التي تسخر من شخصه أو من رسالته.
-
التصريحات السياسية أو الإعلامية التي تنال من مكانته.
-
الكتب والمقالات التي تشوه سيرته العطرة وتقدح في أخلاقه.
وغالباً ما تُقدَّم هذه الإساءات تحت غطاء ما يُسمى بـ “حرية التعبير”، رغم أن هذه الحرية تتوقف عند حدود الإساءة للآخرين، خاصة إذا كانت تمس أديانهم أو رموزهم الدينية.
ثالثاً: واجب المسلم الفرد تجاه الإساءة للنبي ﷺ
1. الغضب المشروع
من علامات الإيمان أن يغضب المسلم إذا مُسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء، كما كان حال الصحابة رضوان الله عليهم. قال الإمام مالك رحمه الله: “من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو شتمه قُتل، ولا يُستتاب”. وكان يعتبر أن هذا ليس فقط ديناً، بل دفاعاً عن جوهر العقيدة.
2. التعريف بسيرته ومكانته
الرد على الإساءات لا يكون فقط بالاحتجاج، بل بتقديم الصورة المشرقة للنبي ﷺ للعالم. وذلك من خلال:
-
نشر سيرته باللغة التي يفهمها غير المسلمين.
-
دعم المشاريع التي توثق حياته وسيرته بالفنون والإعلام.
-
إعداد منصات تعليمية تعرف بالإسلام والرسول ﷺ.
3. الالتزام بأخلاقه
من أعظم أشكال الدفاع عن النبي ﷺ هو تمثل أخلاقه والاقتداء به في المعاملة، فالرد على الإساءة يجب أن يتم بأخلاق النبوة لا بعنف لا يمت للرسالة بصلة، ليكون ذلك دعوة غير مباشرة لمن أساء بأن يُعيد النظر في مواقفه.
4. المقاطعة الاقتصادية
يمكن للمسلمين أن يستخدموا أدوات الضغط المدني المشروعة مثل المقاطعة الاقتصادية للمنتجات التي تنتمي لمؤسسات أو جهات تدعم أو تسوّغ الإساءة للرسول الكريم، شريطة أن تتم تلك المقاطعة بصورة واعية ومنظمة ومدروسة، تحقق الأثر دون عشوائية أو فوضى.
رابعاً: واجب المؤسسات والجماعات المسلمة
1. المؤسسات الدينية
على المؤسسات الدينية أن تؤدي دورها في:
-
التوعية بخطورة الإساءة للنبي ﷺ.
-
إصدار الفتاوى التي تبين وجوب الدفاع عنه.
-
تنظيم حملات عالمية للتعريف بالنبي ﷺ.
2. المنظمات القانونية والحقوقية
يجب تفعيل دور المحامين المسلمين والمراكز الحقوقية في:
-
مقاضاة الجهات المسيئة أمام المحاكم الدولية.
-
المطالبة بتجريم الإساءة للرموز الدينية في المواثيق الدولية.
-
توثيق الانتهاكات ونشرها في الإعلام العالمي.
3. الإعلام الإسلامي
الإعلام الإسلامي مدعو لتحويل كل إساءة إلى فرصة تعريف، فبدلاً من الاكتفاء بالرد الغاضب، يجب أن ينشئ محتوى مرئي ومكتوب يخاطب غير المسلمين ويشرح لهم من هو محمد ﷺ، وماذا قال عنه المنصفون من غير المسلمين.
خامساً: واجب الحكومات الإسلامية
على الحكومات الإسلامية أن تتعامل مع هذا الملف بمستوى المسؤولية السياسية والدبلوماسية، وذلك من خلال:
-
استخدام الأدوات الدبلوماسية للاحتجاج الرسمي على الإساءات.
-
الضغط على المؤسسات الدولية لتشريع قوانين تحمي الرموز الدينية.
-
دعم جهود المجتمع المدني والمبادرات الفردية التي تدافع عن النبي ﷺ.
سادساً: موقف السلف من من يسيء للرسول ﷺ
تاريخ الأمة الإسلامية مليء بالنماذج التي تعكس الغيرة الشديدة على رسول الله ﷺ، ومن ذلك:
-
قيام الخليفة العباسي المعتصم بإرسال جيش لأجل امرأة مسلمة صرخت “وامعتصماه” فلبى النداء.
-
حكم العلماء بقتل من سبّ النبي ﷺ كما قرر القاضي عياض وابن تيمية وغيرهم.
-
تصدي العلماء للردود العقلية والمنهجية على المستشرقين الذين حاولوا الطعن في السيرة النبوية.
سابعاً: الاستفادة من موقف غير المسلمين المنصفين
من الجدير بالذكر أن كثيراً من مفكري الغرب المنصفين وقفوا ضد الإساءة للنبي ﷺ، بل مدحوه في كتبهم وأقوالهم، ومنهم:
| اسم المفكر | الجنسية | أبرز ما قاله عن النبي ﷺ |
|---|---|---|
| مايكل هارت | أمريكي | وضعه أول شخصية في كتابه “المئة شخصية الأكثر تأثيراً في التاريخ” وقال عنه: “كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي.” |
| برنارد شو | بريطاني | قال: “لو أن محمداً وُجد في زماننا، لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة.” |
إن الاستشهاد بهذه الأقوال يسهم في فضح زيف الإساءات ويكشف عن الكيل بمكيالين الذي تمارسه بعض الجهات في الغرب.
ثامناً: مسؤولية الآباء والمربين
من أبرز وسائل التحصين ضد الإساءات، أن يربي الآباء أبناءهم على محبة النبي ﷺ، وتعظيمه، وتعلم سيرته وأخلاقه، وجعل ذلك جزءاً من الوعي اليومي داخل الأسرة. كما يجب على المدارس والمعاهد والمراكز الإسلامية تعزيز مناهج تعليم السيرة النبوية وجعلها حاضرة في وعي النشء.
تاسعاً: التأصيل الفقهي للرد على الإساءة
الإسلام يقرر في فقهه أن “الضرورات تبيح المحظورات”، ولكن الرد على الإساءة يجب ألا يكون وسيلة لتجاوز أخلاق الإسلام. فالتعامل مع من أساء للرسول يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية التي تحدد:
-
من يُرد عليه وكيف؟
-
متى يكون الرد بالكلمة ومتى يكون بالموقف؟
-
ما ضوابط الغضب المحمود والاحتجاج المشروع؟
وقد فصّل الإمام ابن تيمية في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول” حدود التعامل مع من أساء، وبيّن أن الدفاع لا يعني الفوضى بل يجب أن يكون منضبطاً.
عاشراً: واجب مستمر لا ينقطع
الدفاع عن النبي محمد ﷺ لا ينبغي أن يكون مجرد ردة فعل مؤقتة تنتهي بزوال الحدث، بل هو التزام دائم وواجب مستمر. فكل مسلم يحمل في عنقه مسؤولية البلاغ والدعوة والذود عن النبي ﷺ. يجب أن تكون سيرة النبي ﷺ حاضرة في حياتنا اليومية، في مناهجنا التعليمية، في إعلامنا، في أدبنا وفننا، وفي خطابنا الدعوي، وفي تواصلنا مع غير المسلمين.
الخاتمة
الإساءة للنبي ﷺ تمثل اختباراً حقيقياً لمدى ارتباط الأمة بنبيها، ومدى نضجها في الدفاع عنه. إنها دعوة متجددة لاستعادة مكانة النبي في القلوب، واستثمار كل الأدوات الحديثة للدفاع عن رسالته وسيرته. فمحبته ليست شعاراً، بل سلوكاً وسيرة، ودفاعاً وفكراً، واتباعاً عملياً في كل جوانب الحياة.
المصادر والمراجع:
-
ابن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول، دار الكتب العلمية، بيروت.
-
القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الفكر.
